:


بحث عن:

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

جياع ومرضي من ليس في بيتهم تمر !!(*)



رغم رخص ثمنه، وتوفره الدائم في الأسواق، فإن كثيرا من العلماء يلقبونه بـ "منجم" غني بالمعادن ؛ إذ إن له فوائد عظيمة، تجعل منه غذاء كاملا بكل ما في الكلمة من معنى، وذكره عز وجل في القرآن في سورة مريم (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا(**) وبعدها بقرون أثبت العلم أن التمر يسهل المخاض، وييسر عملية الولادة.

يحتوي التمر على فيتامين "أ" وهو موجود بنسبة عالية تعادل نسبة وجوده في أعظم مصادره كزيت السمك، والزبدة، وهذا الفيتامين يساعد على نمو الأطفال، كما يحفظ للعين قوتها، ويجعل النظر ثاقبا في الليل، فضلا عن النهار، إذن فهو يقوي الأعصاب البصرية، ويكافح العشى الليلي، ولعل هذا هو السر في أن سكان الصحراء مشهورون بالرؤية من مسافات بعيدة.
كما يحتوي على فيتامين "ب1" وفيتامين "ب2" وفيتامين "ب" ومن شأن هذه الفيتامينات تقوية الأعصاب، وتليين الأوعية الدموية، وترطيب الأمعاء وحفظها من الالتهاب والضعف.
لبناء العظام والأسنان
والتمر غني بالفوسفور بنسبة عالية، فهو أغنى من المشمس والإجاص (الكمثرى) والفراولة والعنب، ففي كل مائة جرام من التمر نجد أربعين مليجراما من الفوسفور، بينما لا تزيد كمية الفوسفور الموجودة في أية فاكهة عن عشرين مليجراما من نفس الكمية، والفوسفور هو أهم المواد في تركيب وبناء العظام والأسنان على السواء.
أفضل من الحديد والكالسيوم
وعلاوة على ذلك فإن بضع حبات من التمر تزيد في مفعولها على فائدة زجاجة كاملة من شراب الحديد أو حقنة كالسيوم، لأن الحديد والكالسيوم ترفضهما المعدة، وتثقل على غشائها المخاطي، وقد لا يهضمها الجسم كاملة.
يكافح السرطان
ولو لم يكن في التمر من فائدة سوى احتوائه على الماغنسيوم لكفاه ذلك سببا يضعه في مقدمة الأغذية والفواكه المفيدة، حيث إن الماغنسيوم يقضي على السرطان، وقد لوحظ أن سكان الواحات وأكثرهم من الفقراء لا يعرفون مرض السرطان إطلاقا، ولعل السبب هو غنى التمر بالماغنسيوم.
مفيد للكلى والكبد
والتمر غني بعدد من أنواع السكاكر كالجليكوز (سكر الفواكه) والسكاروز، ونسبتها فيه تبلغ حوالي سبعين في المائة، ولذا فالتمر وقود من الدرجة الأولى، والسكاكر الموجودة فيه سريعة الامتصاص، وتستطيع المعدة هضم التمر، وامتصاص السكاكر الموجودة خلال ساعة، أو أقل فتسير في الدم بسرعة حاملة الوقود إلى الدماغ والعضلات، بينما الحلوى المليئة بالسمن والمعجنات المتنوعة تحتاج إلى عدة ساعات لهضمها، وفائدة السكاكر الموجودة في التمر لا تنحصر في منح الحرارة والقدرة والنشاط للجسم، بل إنها مدرة للبول، وتغسل الكلي، وتنظف الكبد.
ملين طبيعي
ويحتوي التمر على الألياف السلولوزية التي تساعد الأمعاء على حركاتها الاستدارية، وهذا يجعل التمر ملينا طبيعيا ممتازا، ويستطيع من اعتاد على تناوله يوميا أن ينجو من حالات القبض المزمن.
هل يضاف شيء له؟
وبعد فبإضافة الجوز واللوز إلى التمر، أو تناوله مع الحليب يزيد من قوته بالمواد البروتينية والدهنية، ولا يخفى على أحد أن طعام الأعراب قديما كان من التمر والحليب، فكانوا مضرب الأمثال في القوة والصحة والرشاقة، ولم تعرف عنهم إصابتهم بالأمراض المزمنة الخبيثة.
وأخيرا
فإن من الأمور الجديرة بالتقدير في هذه الفاكهة العظيمة، هي أنه بالإمكان حفظها في العلب، أو لفها بالورق، وضغطها بحيث تحتفظ بجميع خواصها وصفاتها مدة طويلة وبدون إضافة مواد حافظة لها.
فسبحان من أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يفطر على التمر، وسبحان من جعل من تلك الحبة الصغيرة غذاء ودواء.

ــــــــــــــــــــ
م / ن
(**) هنــــا
(*)بيت لا تمر فيه جياع أهله الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2844
خلاصة حكم المحدث: صحيح

الأحد، 28 أكتوبر 2012

التعزية.. سنن وآداب


إن التعزية في الإسلام هي الأمر بالصبر والحمل عليه، بوعد الأجر، والدعاء للميت بالمغفرة، وللمصاب بجبر المصيبة، وهي مستحبة، ومأجور على فعلها، كما أنها تُهوِّن المصيبة، وتحض على التزام الصبر واحتساب الأجر، وفيها الدعاء للمعزَّى بالتعويض عن مُصابِه، والدعاء للميت بالرحمة والاستغفار.

وقد وقع بعض الناس في مخالفات في أمر التعزية، وبعضهم يجهل السنة في مسألة التعزية، وفي هذا المقال سوف أتناول أحكام وآداب التعزية نصحاً وإرشاداً للعباد.

التعزية في اللغة: مصدر عزَّى، إذا صبّر المصاب وواساه. يقال عزيته تعزية.

والعزاء: الصبر عن كل ما فقدت. تقول: عزيت فلاناً أُعزيه تعزية، أي آسيته، وضربت له الأسى، وأمرته بالعزاء فتعزى تعزياً، أي تصبَّر تصبراً، وتعازي القوم: عزى بعضهم بعضاً (1).

اصطلاحاً، ذكر الفقهاء بعض التعاريف منها:
1- قال الدردير المالكي: (وندب تعزية لأهله، وهي الحمل على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب)(2).

2- قال ابن قدامة: (والمقصود بالتعزية: تسلية أهل المصيبة، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم). (3)

حكم التعزية:
التعزية مشروعة ومستحبة لمن مات له ميت. عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عزى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله حلة خضراء يحبر بها يوم القيامة)، قيل: يا رسول الله، ما يحبر؟ قال: (يغبط) 5)

الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: أحكام الجنائز - الصفحة أو الرقم: 206
خلاصة حكم المحدث: له شاهد مقطوعا وهو حسن بمجموع الطريقين
هنــــا
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من عزى مصاباً فله مثل أجره) (6).

الراوي: زيد بن ثابت المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1239
خلاصة حكم المحدث: حسن
هنــا


عن أبى بزرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عزى ثكلى كُسى بُرداً في الجنة) (7). أي: من عزى المرأة التي فَقَدت ولدها أُلبس بُرداً في الجنة أي: ثوباً عظيماً مكافأة على تعزيتها (8).

كما اتفق الفقهاء على استحباب تعزية أهل الميت:
1- قال ابن قدامة: (ويستحب تعزية أهل الميت، لا نعلم في هذه المسألة خلافاً إلا أن الثوري قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن لأنه خاتمة أمره) (9).

2- قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله -: التعزية مستحبة) (10).

الحكمة من التعزية:
التعزية كغيرها من العبادات المشروعة لها حكمة، بل حِكَمٌ كثيرة، قد تظهر لنا، وقد لا تظهر، ولذلك تلَّمس بعض الفقهاء الحِكَم التي من أجلها شرعت التعزية، ومنهم: الصاوي المالكي، حيث ينقل عن ابن القاسم بأن التعزية لها حكم ثلاث:
1- تهوين المصيبة على المعزى، وتسليته عنها، وحضه على التزام الصبر واحتسابه الأجر، والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله - تعالى -.

2- الدعاء بأن يعوضه الله - تعالى -عن مصابه جزيل الثواب.

3- الدعاء للميت، والترحم عليه، والاستغفار له (12).
ويمكن أن نضيف أيضاً منها: هداية أهل الميت بأمرهم المعروف، وتذكيرهم بالله - عز وجل -، وأن الموت آت لا محالة، وأنه يجب الاستعداد للموت والتأهب له، وأن موت قريبكم إنما هو تذكير من الله - تعالى -لكم بدنو الأجل حتى يستعد المرء للقائه - عز وجل -، ومنها: نهي أهل الميت عن الوقوع في المحرمات والبدع بعد موت قريبهم..فإن هذا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لمن تكون التعزية:
يستحب أن تكون التعزية لأهل المصيبة جميعهم بلا استثناء، كبارهم وصغارهم، ذكورهم وإناثهم إلا الصبي غير المميز، ولا يعزى الرجل المرأة الشابة إلا إذا كانت من محارمه، خشية الفتنة، وينبغي أن يخص خيارهم وذا الضعيف منهم على تحمل المصيبة لحاجته إليها.

فعند الحنفية ما نقله ابن عابدين عن شرح المنية: (وتستحب التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يفتن) (13)، وفي الفتاوى الهندية: (ويستحب أن يعمم بالتعزية جميع أقارب الميت الكبار والصغار والرجال والنساء، إلا أن تكون امرأة شابة فلا يعزيها إلا محارمها). (14)

وعند فقهاء المالكية: ومنها: ما يذكره الدردير من استحباب التعزية، وأنها مستحبة للمصاب إلا عند الفتنة والصبي غير المميز. (15)

وعند فقهاء الشافعية ما قاله النووي عن الشافعية: " يستحب أن يعزى جميع أقارب الميت، الكبار والصغار، الرجال والنساء، إلا أن تكون المرأة الشابة فلا يعزيها إلا محارمها، قالوا: وتعزية الصلحاء والضعفاء عن احتمال المصيبة والصيبان آكد ". (16)

أما الحنابلة فقد قال ابن قدامة: " ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة كبارهم وصغارهم، ويخص خيارهم والمنظور إليه، ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليه، ولا يعزى الرجل الأجنبي شواب النساء مخافة الفتنة " (17).

تعزية غير المسلم:
أما بالنسبة لتعزية غير المسلم فإن مبدأ التعزية مشروع، وهو ضمن البر الذي جاء في قوله - تعالى -: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة: 8]، وقرر الفقهاء أن يقال لغير المسلم: أخلف الله عليك، ومن صور المجاملات أن النبي ? عاد غلاماً يهودياً كان يخدمه، وعرض عليه الإسلام فأسلم(18)، فالمجاملات جائزة، ولكن في حدود الشرع.

كان الحسن يقول: إذا عزيت الكافر فقل: (لا يصيبك إلا خير)، وكان أبو عبد الله بن بطة يقول: يقال في تعزية الكافر: (أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل دينك)(19).

وقال بعض أهل العلم: والصحيح أن للمسلم أن يختار من الأدعية ما يراه مناسباً مما ليس فيه دعاء للميت ولا قوة للحي.
وهناك قول للشافعية، ورواية عن أحمد بالمنع من تعزية الكافر إلا إذا رجي إسلامهم.

حكم قول فلان مرحوم للميت:
وقد يجري على بعض الألسنة عند العزاء أو الحديث عن ميت عبارة: المرحوم فلان، فإن كانت العبارة إخباراً عن الميت بأنه مرحوم فذلك لا يصح، لأنه ذهب إلى ربه بما عمل وهو أعلم به، حتى الإخبار عن المسلم بأنه مرحوم هو أمر ظني لا ينبغي أن يؤخذ مأخذ الحقيقة.

وقد وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز
- رحمه الله -: (كثر الإعلان في الجرائد عن وفاة بعض الناس، كما كثر نشر التعازي لأقارب المتوفين، وهم يصفون الميت فيها بأنه مغفور له أو مرحوم أو ما أشبه من كونه من أهل الجنة، ولا يخفى على كل من له إلمام بأمور الإسلام وعقيدته بأن ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا الله، وأن عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز أن يشهد لأحد بجنة أو نار إلا من نص عليه القرآن الكريم كأبي لهب، أو شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك كالعشرة من الصحابة ونحوهم، ومثل ذلك في المعنى الشهادة له بأنه مغفور له أو مرحوم، لذا ينبغي أن يقال بدلاً منها: غفر الله له، أو - رحمه الله -، أو نحو ذلك من كلمات الدعاء للميت)(20).

أما الدعاء له بالرحمة، فذلك للمسلم جائز إذا مات على الإيمان بأن لم يصدر عنه شيء يكفر به، أما غير المسلم فقد تحدث العلماء عن الاستغفار، أو طلب الرحمة له، في حال حياته أو مماته، فقالوا: إن كان حياً جاز الاستغفار وطلب الرحمة والهداية بالتوفيق إلى الإيمان، وعليه يحمل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عن قومه المشركين: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)

الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3477
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
هنــــا

(21) وذلك على بعض الأقوال التي قالت: إن هذا إنشاء من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس حكاية عن نبي سابق دعا لقومه.



ويحمل أيضاً ما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما زار عمه أبا طالب في مرضه الذي مات فيه، وعرض عليه الإسلام فأبى، قال: " أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عن ذلك "، فأنزل الله - تعالى -: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة: 113-114](22).

فالاستغفار للأحياء جائز، لأن إيمانهم مرجو، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له. قال ابن عباس: " كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينهاهم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا "(23).

فالدعاء لمن مات غير مؤمن، بأن - يرحمه الله - أو يغفر له، لا يجوز، وقد استأذن النبي ? ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له (24).

ويقال إن الآية خاصة بالموتى المشركين، أما اليهود والنصارى فليسوا كذلك، ولا يقال هذا لأن الله قال في كل من كان على غير الإسلام: " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" آل عمران: 85، وقال في عباد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة "? البينة: 6، ووصف بعض أهل الكتاب أنهم كفار، فقال جل شأنه: " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " وقال - تعالى -: " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ " المائدة: 72-73].

وقال - تعالى -في الكفار جميعاً: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ " البقرة: 161-162].

صيغة التعزية:
للتعزية صيغ نذكر بعض ما ورد في السنة:

1- عن أسامة بن زيد قال: أرسلت ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه أن ابناً لي قبض فائتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: " إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌ عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب "

الراوي: أسامة بن زيد المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1284
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
هنــــا

(25). وفي رواية: " وكل شيء عنده بأجل مسمى " (26).

2- وعن أم سلمة - رضي الله عنها - حينما دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب موت أبي سلمة فقال: " اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه "(27).

الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 920
خلاصة حكم المحدث: صحيح
هنــــا

ومعنى " واخلفه في عقبه في الغابرين " أي: كن خلفاً أو خليفة له في عقبه، أي: من يعقبه ويتأخر عنه من ولد، في الغابرين: أي الباقين في الأحياء من الناس (28).

3- وعن عبد الله بن جعفر حينما عزاه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبيه فقال: " اللهم اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه "، قالها ثلاث مرات.
الراوي: عبدالله بن جعفر المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 6/159
خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح
هنــــا

(29) أما رأي الفقهاء في صيغة التعزية نجد ابن عابدين قال: " ويقول: " أعظم الله أجرك " أي جعله عظيماً بزيادة الثواب والدرجات و " أحسن عزاءك " بالمد، أي جعل سلواك وصبرك حسناً، و" غفر لميتك "، بقوله إن كان الميت مكلفاً وإلا فلا". (30)

وقت التعزية:

يكاد يتفق الفقهاء على أن التعزية تجوز في كل وقت أي قبل دفن الميت أو بعده، لأن الأدلة جاءت بالتعزية دون تفريق ودون تحديد لوقتها، هل هو قبل الدفن أو بعده؟ ولأن المقصود والغاية من التعزية هو تسلية أهل الميت، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم، وهذه الحاجة ظاهرة قبل الدفن وبعده.

إلا أنهم استحبوا التعزية بعد الدفن ـ والعلة في ذلك كما يقول النووي ـ لأن أهله قبل الدفن مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، فكان ذلك الوقت أولى بالتعزية، وهذا ـ أيضاً ـ ليس على إطلاقه، فإذا ظهر فيهم الجزع ونحوه فإن الأفضل التعجيل بالتعزية ولو قبل الدفن، ليذهب جزعهم أو يخف(33).

وهذه العلة ذكرها ابن عابدين بقوله وأولها أفضلها، وهي بعد الدفن أفضل منها قبله، لأن أهل الميت مشغولون قبل الدفن بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد الدفن لفراقه أكثر، هذا إذا لم ير منهم جزع شديد، وإلا قدمت لتسكينهم". (34)

مدة التعزية:
وقد سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: هل يعتبر تخصيص أيام ثلاثة للعزاء لأهل الميت من الأمور المبتدعة، وهل هناك عزاء للطفل، والعجوز، والمريض الذي لا يرجى شفاؤه.. بعد موتهم؟.

فأجاب: (التعزية سنة لما فيها من جبر المصاب، والدعاء له بالخير، ولا فرق في ذلك بين كون الميت صغيراً أو كبيراً، وليس فيها لفظ مخصوص بل يعزي المسلم أخاه بما تيسر من الألفاظ المناسبة مثل أن يقول: (أحسن الله عزاءك، وجبر مصيبتك، وغفر لميتك؛ إذا كان الميت مسلماً، أما إذا كان الميت كافراً فلا يدعى له، وإنما يعزي أقاربه المسلمين بنحو الكلمات المذكورة.

وليس لها وقت مخصوص، ولا أيام مخصوصة بل هي مشروعة من حين موت الميت، قبل الصلاة، وبعدها، وقبل الدفن، وبعده، والمبادرة بها أفضل في حال شدة المصيبة، وتجوز بعد ثلاث من موت الميت لعدم الدليل على التحديد)(35).

وفي نهاية هذا المقال يمكن أن نتوصل إلى النتائج التالية:
1- أن التعزية من الأمور المستحبة التي وردت بشأنها نصوص شرعية تفيد استحبابها، وترتب عليها الثواب والأجر للمعزي والمعزى.

2- أن المقصود من التعزية تهوين المصيبة على المعزى من أهل الميت، وتسليته عنها، وحضه على التزام الصبر، واحتساب الأجر، والرضا بقضاء الله وقدره.

3-
التعزية تكون للمسلم عن ميتة المسلم، وللمسلم عن ميتة الكافر، وللكافر عن ميتة الكافر، لأن معنى التعزية وحكمتها تشمل جميع ما ذكر، إلا أنه لا يجوز عند التعزية عن الميت الكافر الدعاء له بالرحمة أو الاستغفار لورود النهي عن ذلك.

4- التعزية تكون للجميع من أهل المصيبة ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، إلا أن الفقهاء استثنوا من ذلك الصبي الصغير غير المميز؛ لأنه لا يعقل معنى التعزية، وكذلك الرجل للشابة من غير محارمه، وعللوا لذلك الخوف من الفتنة.

5- لا يستحب تكرار التعزية، بل ويكتفى بها مرة واحدة، لحصول المقصود، ولذلك نص الفقهاء على كراهة تكرار التعزية، وأنه يكتفى بها مرة واحدة فقط.

6- تجوز التعزية بأي صيغة شرعية تؤدي الغرض المقصود من التعزية، وهو تسلية المصاب، وحثه على الصبر، وعدم الجزع، والتسخط على قضاء الله وقدره، إلا أن أصح صيغة وردت في السنة هي أن يقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب. ومع ذلك يجوز أن يقال: أعظم الله أجرك أو أحسن الله عزاءك، أو نحوها من الألفاظ الشرعية.

7-التعزية جائزة في كل وقت ـ قبل دفن الميت أو بعده ـ إلا أن أكثر الفقهاء يرون بأن الأفضل أن تكون التعزية بعد الدفن؛ لأن أهل الميت مشغولون بتجهيز الميت، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، ويستثنى من ذلك حال جزع أهل الميت وشدته، فعند ذلك تكون التعزية قبل الدفن أفضل لهذا السبب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

الهوامش والمراجع:
1-
ابن منظور، لسان العرب، الجزء 15، ص 52، مادة عزا.
2- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، الجزء الأول، ص 419.
3- حاشية ابن عابدين، الجزء الأول، ص 603.
4- ابن قدامة، المغني، الجزء الثاني، ص 211.
5- أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد، الجزء السابع، ص 408، الحديث رقم 267.
6- أخرجه الترمذي، الجزء الثاني، ص 385، الحديث رقم 1789.
7- أخرجه الترمذي، الجزء الثالث، ص 378، الحديث رقم 1162.
8- تحفة الأحوذي، الجزء الرابع، ص 190.
9- ابن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، الجزء الثاني، ص 304.
10- ابن قدامة، المغني، الجزء الثاني، ص 211.
11- حاشية ابن عابدين، الجزء الأول، ص 603.
12- بلغة المسائل على الشرح الصغير للدردير، الجزء الأول، ص 199.
13- حاشية ابن عابدين، الجزء الأول، ص 603.
14- الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة، الجزء الأول، ص 167.
15- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، للدسوقي، الجزء الأول، ص 419.
16- ابن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، الجزء الخامس، ص 305.
17- ابن قدامة، المغني، الجزء الثاني، ص ص 211-212.
18- كما رواه البخاري في (الأدب المفرد)، وذكره ابن حجر في (المطالب العالية) ج1، ص212.
19- الإنصاف للمرداوي (2/566).
20- فتاوى إسلامية (2/57).
21- رواه البخاري (3402) ومسلم (4601).
22- البخاري (3797) مسلم (97).
23- تفسير القرطبي (8/274).
24- تفسير الطبري (11/42).
25- أخرجه البخاري في صحيحه، الجزء الأول، ص 396، الحديث رقم 1284.
26- أخرجه مسلم، الجزء الثاني، ص 636، الحديث رقم 923.
27- أخرجه مسلم، الجزء الثاني، ص 634، الحديث رقم 920.
28- عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي، الجزء الثامن، ص 387.
29- أخرجه أحمد في مسنده، الجزء الأول، ص 204.
30- حاشية ابن عابدين، الجزء الأول، ص 604.
31- شهاب الدين القرافي، الذخيرة، الجزء الثاني، ص 481.
32- رواه أحمد في مسنده، الجزء الأول، ص 205.
33- ابن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، الجزء الخامس، ص 305.
34- حاشية ابن عابدين، الجزء الأول، ص 604.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
م / ن بتصرف قليل
كتبته ـ نادية الدمياطى ـ
غفر الله لنا و لها

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

خير الناس من يؤمن شره




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أناس جلوس فقال: "
ألا أخبركم بخيركم من شركم ؟" فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال:" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره".(!)

وقد ذكروا أن هذا الحديث أصل في المروءة مع الخلق، وذلك بأن يستعمل مع الناس الخلق الحسن والأدب الجميل، فيسعى في إدخال السرور عليهم وإيصال الخير لهم فينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " خير الناس أنفعهم للناس"(2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أحسنهم خلقا".
(3)

وقد كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فكل ما استحسنه القرآن ودعا إليه تخلق وتحلى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ما نهى عنه القرآن واستقبحه فقد تجنبه الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان القرآن بيان خلقه الشريف صلى الله عليه وسلم.


فإذا لم يستطع العبد إيصال الخير إلى الخلق فلا أقل من أن يكف عن الناس شره ويجنبهم أذاه، فقد سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: " كف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك".
(4)

وليعلم كل واحد أن أذية المؤمنين من الآثام البينات الواضحات، وقد ذكر الله ذلك في معرض التهديد لمن آذى المؤمنين فقال: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} (الأحزاب).


وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر هؤلاء الذين يؤذون المؤمنين ويهددهم بقول: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم ؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته".
(5)


إن أذية الناس بقول أو بفعل هي نوع من الظلم، { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)} (آل عمران)، ويخشى على من يؤذي الناس أن يبوء بدعوة مظلوم تفتح لها أبواب السماء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"
(7)

كما عد النبي صلى الله عليه وسلم من يتجنبه الناس اتقاء شره وفحشه من شرار الناس منزلة عند الله يوم القيامة، فقال: "إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه".
(8)

وكان يحي بن معاذ يقول : ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة، إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.

وقال قتادة رحمه الله: إياكم وأذى المسلم؛ فإن الله يحوطه ويغضب له.


وأرجو أن تتدبر هذه الحادثة التي كانت بين أبي بكر رضي الله عنه وبين ثلاثة من الصحابة سلمان وصهيب وبلال، حين مر بهم أبو سفيان قبل أن يسلم فلما رآه هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم قالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال الصديق رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك". فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ فقالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي.
(9)

فيا سبحان الله يقول هذا لخير الأمة بعد نبيها في حق قوم ضعاف لكنه مراعاة الناس في مشاعرهم وفي أحاسيسهم، ويأتي أبو بكر رضي الله عنه معتذرا.


وإني أسألك أيها القارئ الكريم: تخيل أننا بين الناس الآن وأتانا من يتتبع سيرتنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وقال بين الخلائق: سأخبركم الآن بخيركم من شركم بناء على ما عندي من معلومات عن سيرة كل منكم، أكان يسرك أنك بين القوم ينادى عليك بالانتماء لأحد الفريقين إما الأخيار وإما الأشرار؟.


إن الإجابة على السؤال تحتاج إلى مراجعة دقيقة لحال النفس ومعاملتها وأخلاقها مع الناس ليرى العبد أين موقعه.

نسأل الله أن يزيننا بحسن الخلق وأن يجعلنا من الخيار الكرام وأن يجنبنا صفات وأخلاق الأشرار، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
م / ن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(!)

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2603
خلاصة حكم المحدث: صحيح

(2)

الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3289
خلاصة حكم المحدث: حسن
(3)
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3287
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(4)
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4490
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(5)
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2032
خلاصة حكم المحدث: حسن
(6)
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2560
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(7)
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2298
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(8)
الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2095
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(9)
قال مسلم فى صحيحه :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قال حَدَّثَنَا بَهْزٌ قال حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ قَالُوا لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي
صحيح مسلم - كِتَاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - بَاب مِنْ فَضَائِلِ سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ
حديث رقم: 2504


الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

هل يجوز إخراج الزكاة مواد عينية بدلا من النقود ؟




السؤال: ذكر الله عز و جل لنا مصارف الزكاة الثمانية في كتابه الكريم , فهل تعتبر الأنشطة التالية من مصارف الزكاة ؟ ( توزيع الشنط الغذائية , توزيع البطاطين في الشتاء , توصيل المياه لمنازل الفقراء , بناء أسقف خشبية لهم , تجهيز عرائس يتيمات أو فقراء , توصيل المساعدات الطبية للمرضى ) على أن تعطى أموال الزكاة لجمعية موثوق بها , و تتولى الجمعية القيام بهذه الأنشطة ؟ مع العلم أن الجمعية تقوم باستكشاف الحالات قبل تقديم المساعدات لها أفيدونا جزاكم الله خيرا بشأن كون ما تقدم ذكره من مصارف الزكاة من عدمه ؟ و هل بإخراجي للزكاة بهذه الكيفية أكون أخرجتها في صورة مال كما هو مطلوب مني ؟ أم أن أخراج زكاة المال في صورة مال غير واجب أصلا ؟ وفقكم الله إلى ما فيه خير المسلمين و جزاكم الله خيرا

الجواب :
الحمد لله :
أولاً :
الواجب في زكاة المال أن تكون من النقود ، ولا يجوز إخراجها مواد عينية ، ولا سلعاً غذائية.
ومن واجب صاحب الزكاة تسليم مبلغ الزكاة للمستحقين ، وليس من حقه التصرف بهذا المبلغ ولا الاجتهاد في البحث عن الأنفع لهم حسب نظره ، بل يعطي المال المستحق للفقير ، وهو أدرى بحاجته ومصلحته من غيره .
ومن المعلوم أن الإنسان يستطيع الحصول على ما يريد عن طريق المال ، بخلاف المواد العينية التي قد يحتاجها وقد لا يحتاجها ، ويضطر لبيعها بثمن بخس للاستفادة من ثمنها .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"هل يجوز تحويل مبلغ الزكاة إلى مواد عينية غذائية وغيرها فتوزع على الفقراء؟" .
فأجاب :
" لا يجوز، الزكاة لا بد أن تدفع دراهم... ".
انتهى من " اللقاء الشهري" (41 / 12) .
وقال أيضا :
" زكاة الدراهم لابد أن تكون دراهم ، ولا تخرج من أعيان أخرى إلا إذا وكلك الفقير فقال : إن جاءك لي دراهم فاشتر لي بها كذا وكذا ، فلا بأس ... ". انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (18/303).

ثانياً :
إذا كان هناك فقير معين ، يحتاج إما إلى دواء أو غذاء ، أو نحو ذلك من احتياجاته ، ويعلم أنه سيترتب على صرف الزكاة له نقوداً مفسدة واضحة ، أو كانت المصلحة تقتضي عدم إعطاء ذلك الفقير النقود ، ففي هذه الحال أجاز بعض العلماء صرفها له مواد عينية بدلاً من النقود .
ومن صور ذلك : أن يكون الفقير مجنونا ، أو ضعيف العقل لا يحسن التصرف المال ، أو سفيها مبذراً للمال ، أو مفسدا ينفق المال على ما لا فائدة فيه ، ثم يبقى ـ هو أو من يعوله ـ محتاجا .

قال شيخ الإسلام : " إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ...؛ وَلأَنَّهُ مَتَى جُوِّزَ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ ، وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ؛ وَلأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ ، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ ، وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلا بَأْسَ بِهِ ". انتهى " مجموع الفتاوى" ( 25/82 ) .


وقال الشيخ ابن باز في الفتاوى (14 / 253) :

" ويجوز أن يخرج عن النقود عروضاً من الأقمشة والأطعمة وغيرها ، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة ، مثل أن يكون الفقير مجنوناً ، أو ضعيف العقل ، أو سفيهاً ، أو قاصراً ، فيخشى أن يتلاعب بالنقود ، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاماً ، أو لباساً ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة ، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم". انتهى .

والأفضل من ذلك أن يأخذ توكيلا من الفقراء بشراء الأشياء التي يحتاجون إليها .
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله : " إذا كان أهل هذا البيت فقراء ، ولو أعطيناهم الدراهم لأفسدوها بشراء الكماليات والأشياء التي لا تفيد ، فإذا اشترينا لهم الحاجات الضرورية ودفعناها لهم ، فهل هذا جائز ؟
فمعروف عند أهل العلم أن هذا لا يجوز ، أي لا يجوز للإنسان أن يشتري بزكاته أشياء عينية يدفعها بدلاً عن الدراهم ، قالوا : لأن الدراهم أنفع للفقير ، فإن الدراهم يتصرف فيها كيف يشاء ، بخلاف الأموال العينية فإنه قد لا يكون له فيها حاجة ، وحينئذ يبيعها بنقص .
ولكن هناك طريقة : إذا خفت لو أعطيت الزكاة لأهل هذا البيت صرفوها في غير الحاجات الضرورية ، فقل لرب البيت ، سواء كان الأب أو الأم أو الأخ أو العم ، قل له : عندي زكاة ، فما هي الأشياء التي تحتاجونها لأشتريها لكم وأرسلها لكم ؟
فإذا سلك هذه الطريقة ، كان هذا جائزاً ، وكانت الزكاة واقعة موقعها
" . انتهى " مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ السؤال 643) .

والخلاصة : أن إخراج السلع والمواد العينية بدلا من زكاة المال لا تجوز ولا تجزئ ، إلا إذا وجدت الحاجة والمصلحة الداعية لذلك .

والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب
 

دفاع عن صحيح البخاري أمام أوهام فؤاد سزكين * محمد عبد الحكيم القاضي * ================


قام بعض الناس قديما وحديثا باقتحام الميدان الصعب وهو الهجوم علي السنة النبوية وهم لم يلتفتوا إلي أن حفظ السنة فرع علي الذكر ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) {1}
وإن نصرها هو فرع علي نصر النبي صلي الله عليه وسلم( فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا )
{2} وأن المستهزئين صنف واحد شرقوا أم غربوا ، تقادموا أم تحادثوا ، وهم جميعا مدحورون ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، إنا كفيناك المستهزئين ) { 3 }ومن أجل أعمدة السنة ، وأرسي جبالها ، ذلك الكتاب الأغر الذي صنفه زين المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، والذي سماه ( الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسنته وأيامه ) {4} 0
وكان البخاري طبيب الحديث حقا وصدقا ؛ فقد شهد بذلك الفضل معاصره وقرينه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح ، إذ أهوى علي قدمه ، وقال : " دعني أقبل قدمك يا أستاذ الأستاذين
ويا طبيب الحديث في علله".

ولعل أحسن ما وصف به الصحيح قول القائل :
صحيح البخاري ـ لو أنصفوا لما خُطَ إلا بماء الذهب
قال العلامة العقيلي معارضاً :
صحيح البخاري لو أنصفوا لما خُطَ إلا بماء البصر
وما ذاك إلا لضبط الأصول وعدل الرواة بنقل الخبر
وقد فاق فضلا علي غـيره فأضحي إماما لكتب الأثر
والشهادات التي جمعها الإمام الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه للصحيح دليل علي رسوخ الكتاب وصاحبه والتي لا تذكرمنها إلا هذه الشهادة للبخاري من شيخه الجليل علي بن عبد الله المدني إذ يقول : " هو ما رأى مثل نفسه " {6}
سزكين والدقة العلمية
فالإمام البخاري ـ إذن ـ أضحي صخرة تهزأ بالناطحين ، ومنهجه في كتابة الصحيح ، يعد مفخرة علماء الحديث قاطبة ، بل علماء الدنيا بأسرها ، ولذلك نعجب من سلسلة الاتهامات التي ساقها الأستاذ سزكين في كتابيه :
1 ـ الأول الذي صنفه ـ بالغة التركية ـ عن البخاري 0
2 ـ الثاني " تاريخ التراث العربي " الذي صنفه بالتركية ، وترجم إلي العربية في مصر 0 {7} ومصدر عجبنا أن الأستاذ سزكين مشهور بدقته وتحريه ، ومثل هذا النوع يستغرب منه إلقاء القول علي عواهنه ـ الأمر الذي يجعلنا نتساءل بأي قياس علمي ادعي سزكين دعاواه الجديدة ، فقد قرر فؤاد سزكين في كتابه عن البخاري :
1 ـ أن كتابه ( الصحيح ) " ليس إلا جمعا ملخصا للمؤلفات السابقة "
2 ـ وأنه ليس رائدا في ميدان التصنيف علي أبواب الفقه 0
3 ـ وأنه استخدم الكتب السابقة دون انتقاء ، ودون توفيق 0
4 ـ وأنه لم يكن موفقا أيضا في جمع المواد اللغوية والتاريخية والفقهية 0
5 ـ تم ختم ذلك بأن البخاري في كتابه " الجامع " قد " برهن علي أنه ليس عالم الحديث الذي طور الإسناد ، بل هو أول من بدأ معه انهيار الإسناد " {8} ومثل هذه الاتهامات المتلاحقة تجعلنا لا نتردد في اتهامه بالتسرع الذي يستغرب من أمثاله في سياقه الأحكام غير المفسرة ولا المبرهن عليها ، بل التي تخالف كل المعطيات التاريخية والمنهجية ، وإذا كانت هذه الاتهامات غير المدققة جديرة بأن يفرد لها دراسة ـ في خلال هذا الرد علي اتهامات الأستاذ سزكين لكثير من المحدثين في مقدمته التي كتبها عن علوم الحديث من ص 225 إلي ص 249 وفي غيرها من صفحات كتابه الضخم " تاريخ التراث العربي " فإنه لابد من التوقف عندها الآن ـ خصوصا وقد ترجم الكتاب في مصر سنة 1917 م 0
لهذه ( الحيثيات ) جميعا ينبغي تناول مجهود البخاري في كتابه الجامع الصحيح بالذات من هذه الزوايا التي طرحها سزكين عفا الله عنا وعنه 0
لقد اتفقت كلمة العلماء علي أن الإمام البخاري هو أول من صنف في الصحيح ،خاصة وأن كتابه هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالي ، وقد قال الإمام البخاري عن نفسه " أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، ومائتي ألف حديث غير صحيح " {9} غير أن أحاديث " الجامع الصحيح هي طائفة منتقاة من محصول البخاري الحديثي ، فهي لا تتجاوز السبعة آلاف حديث بالمكرر.{10}
الدقة في الانتقاء :
والذى يطلع علي هذا المنهج الذي اتبعه البخاري في انتقاء أصح الأحاديث ليجعلها في كتابه الصحيح لا يستطيع أن يكتم العجب ، فقد أتاحت له خبرته العميقة بطبقات الرجال وتبين الملامح الدقيقة في عملية الضبط والتثبت ، وتمييز الفروق الدقيقة بين تلاميذ الشيخ الواحد حين تجمعهم صفة الصدق والأمانة ـ أقول : أتاح له ذلك كله منهجا فذا في اختيار أصح الصحيح ؛ فهو لم يكتف بشرط الصحة الذي اكتفي به غيره ، وإنما اختار من أحاديث كل شيء أحسنها ـ علي أساس التمييز بين الثقات الذين رووا عنه ، ويوضح الحافظ أبو بكر الحازمي ذلك بقوله :
" فلنوضح ذلك بمثال ؛ وهو أن نعلم أن أصحاب الزهري {11} مثلا علي خمس طبقات ، ولكل طبقة منها مزية علي التي تليها ، فمن كان في الطبقة الأولي فهو الغاية في الصحة ، وهو مقصد البخاري 0 والطبقة الثانية شاركت الأولي في التثبت ، إلا أن الأولي جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري ، حتى كان منهم من يزامله في السفر ، ويلازمه في الحضر ، والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه ، فكانوا في الإتقان دون الأولي وهم شرط مسلم 000 " {12}
هل يصح بعد هذا أن يقال أن البخاري استخدم الكتب السابقة عليه دون انتقاء ودون توثيق ؟ وأن كتابه ليس إلا جمعا ملخصا للكتابات التي سبقته ؟ وأن هذا يدل علي أن الإسناد قد بدأ يفقد قيمته ، ومكانته عند البخاري ؟!
أفلا يصح أن يستنتج من هذا المنهج حقا أن الناحية العلمية الراقية الموفقة لاستخدام الإسناد كانت علي يد البخاري رحمه الله ؟
( التعليق ) وانهيار الإسناد
ويصرح الأستاذ سزكين ـ بغير تحفظ ـ مشايعا جولد زيهر وغيره من المستشرقين ـ أن
الأسانيد ناقصة في حوالي ربع المادة ، وقد أطلق علي هذا الأمر ـ ابتداء من القرن الرابع ـ اسم ( التعليق ) {13 } ، وبهذا يفقد كتاب البخاري كثيرا من سمته مصنفا جامعا شاملا ، أما البخاري فقد برهن علي أنه ليس عالم الحديث ـ الذي طور الإسناد إلي الكمال 000 بل هو أول من بدأ معه انهيار الإسناد 0 {14 }
وقد تطرق مثل هذا الوهم السابق إلي بعض الرواة ، حيث سأل الإمام البخاري عن خبر حديث ، فقال له البخاري : " يا أبا فلان : تراني أدلس ؟ وأنا تركت عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر ، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر ؟ {15 }

قال الحافظ ابن حجر :
" يعني إذا كان يسمح بترك هذا القدر العظيم ، كيف نشره لقدر يسير ؟ فحاشاه من التدليس المذموم " {16}
مع أن الذي يقرأ ما قاله الحافظ في كتابه ( تغليق التعليق ) أو في ( هدى الساري ) يدرك أن موضوع ( التعليق ) في صحيح البخاري هو وسام آخر علي صدر الإمام رحمه الله ، إذ أنه يكشف ـ لمن اجتهد في دراسته ـ عن خبرة واسعة وفقه ثاقب 0
ولقد أدرك هذه الحقيقة المهمة رجال الحديث منذ القرن الرابع ـ الذي يجعله سزكين تاريخا لمصطلح ( التعليق ) ، وتأصلت ضوابط ذلك عند ابن حجر العسقلاني ، أحسن سراج الصحيح فيما نعلم ، وإنما نلخص أهم الدواعي التي جعلت الإمام البخاري يذكر الحديث معلقا فيما يلي :
أولا : الأحاديث الموقوفة علي الصحابة ومن بعدهم ـ وإن صحت ؛ لأن ذلك ليس من شرط الصحيح المند 0
ثانيا : الحديث الصحيح الذي في إسناده بعض من لم يرق إلي شرطه في الكتاب ـ وإن كان ثقة عنده ، وحديثه علي شرط غيره من جهابذة النقد ، وذلك مثل قوله في كتاب الطهارة : " وقالت عائشة : كتان النبي صلي الله عليه وسلم يذكر الله علي كل أحيانه " 0 وهو حديث صحيح علي شرط مسلم ، وقد ذكره في صحيحه ، وشاركه في روايته مسندا غير معلق الإمام أحمد وأبو داود والترمذى وغيرهم 0 {17}
ونظن أن الذي جعل البخاري يعلقه ـ مع صحة إسناده ـ هو تفرد ( زكريا ابن أبي زائدة) به ، فكل هؤلاء الذين ذكرنا رووه من طريقه فقط ، وقد نبه الترمذي إلي هذا التفرد حيث قال : " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة " {18 } وهو يعني من حديثه عن أبيه ، فتعليق البخاري له تنبيه منه علي أن هذا الحديث ـ وإن صح ـ ليس من شرطه الذي اشترطه في كتابه 0
ثالثا : الحديث الصحيح الذي ساقه في موضوع موصولا بإسناده التام ، ثم احتاج إلي ذكره في موضع آخر لفائدة فقهية ، وليس له عنده أسانيد أخرى غير السابق ، فحينئذ يسوقه معلقا إشعارا بأن هذا الحديث ليس له إلا هذا الإسناد 0
ولهذ التعليق فوائد حديثيه متعلقة بالإسناد ، لو اطلع عليها فؤاد سزكين ـ والله ـ ما شرع فيما صنع ، ولولا أن موضوع التعليق ليس هو موضوع المقالة أصلا لاستطردنا فيه فليراجع علي سبيل المثال مقدمة كتاب ( التغليق ) لإبن حجر ( 1/ 283: 308 ) ولقد كان بودنا أن يتروى المحقق الذي خدم التراث العربي خدمات لا تنكر ـ في أحكامه قبل إنفاذها ، خصوصا إذا كانت هذه الأحكام تتعلق بشخصية وكتاب أعطاهما الفكر الإسلامي قبلنا كل تقدير
ومع ذلك فلعل الله تعالي أن يهيئ لي دراسة أخرى عن ( قضية الإسناد عند المحدثين والقدامى ) لما وجدنا من لمز عنيف لهم في دراسات الأستاذ سزكين عفا الله عنه ورحمه *

ــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي
{1} سورة الحجر / 9 {2} سورة الطور / 48 {3} سورة الحجر / 94، 95
{4} هدى الساري 0 ابن حجر ط / بولاق : ص 6 {5} إتحاف القاري بمعرفة شروح البخاري 0 محمد عصام عرار ط / اليمامة ص 13 {6} تهذيب التهذيب : ابن حجر ط / صادر ـ بيروت 9/50 {7} نشرته دار الكتاب العربي (جزءين فقط منه ) بترجمة د 0 فهمي أبو الفضل ، القاهرة سنة 1971 م {8} سزكين ـ 1/307 0
{9} التقييد والإيضاح 0 العراقي : ص 27 {10} المرجع السابق ص 26 وانظر : فتح المغيث للسخاوى ص 18 { 11} الزهرى : هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى ، وينسب أحيانا إلي جده شهاب : وهو الفقيه العالم الحافظ الثقة الحجة ـ أحد الأئمة الأعلام ت 123 هـ { 12} شروط الأئمة الخمسة ـ للحازمي ص 43 ، 46
{13} التعليق : هو اختصار الإسناد بحذف بعض شيوخ المصنف ، وربما وصل الحذف إلي الصحابي 0
{14} سزكين : 1/307 {15} تاريخ بغداد : الخطيب : 2/25 0
{16} تغليق التعليق 0 ابن حجر 2/10 0 {17} صحيح مسلم : كتاب الحيض 1/282 ،
المسند : 6/70 ، 153 0
سنن أبي داود : كتاب الطهارة : 1/5 ، الترمذى : كتاب الدعوات : 5/ 4630
{18} سنن الترمذى : 5/ 463 0

المصحف الشريف الألكترونى

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

ـ فوائد مختارة فى أبواب المياه ـ


• كتاب الطهارة : الكتاب : لغة : الضم قال العلماء : سمي الكتاب كتاباً لاجتماع حروفه وكلماته .

• مناسبة البدء بالطهارة : لأنها مفتاح الصلاة و ما كان مفتاحاً للشيء وشرطاً له فهو مقدم عليه . قال صلى الله عليه وسلم :( مفتاح الصلاة الطهور ... ) رواه الخمسة .



• ما المراد من تصنيف الكتب : (1) تسهيل المراجعة (2) تصنيف مسائل العلم كل طائفة مع ما يناسبها (3) تنشيط القارئ على مواصلة القراءة بقطعه مسائل العلم مرحلة بعد مرحلة (4) اقتداء بكتاب الله , حيث كان سوراً .


• الطهارة : لغة : النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية

.اصطلاحاً : ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث .

قوله ( وما في معناه ) :أي في معنى ارتفاع الحدث , كغسل اليدين

بعد القيام من نوم الليل فهذا واجب وسمي طهارة وليس بحدث لأنه

لا يرفع الحدث به . وكذلك تجديد الوضوء ، فعندما يجدد وضوءه

فإنه على طهارة وليس بمحدث ومع هذا فإن فعله هذا يسمى طهارة

. قوله ( وزوال الخبث ) : التعبير بـ( زوال ) أعم من إزالة لأن

الإزالة فعل المكلف , والزوال قد يكون بفعله أو بفعل غيره .


الطهارة تنقسم إلى قسمين : (1) معنوية : وهي الطهارة من الشرك

و البدع والمعاصي . ( وهذه كثيراً ما تبحث في كتب العقائد ). (2)

حسية
: وتنقسم إلى قسمين : (1) طهارة من الحدث ( إما حدث أكبر أو أصغر ) .

الحدث : صغير السن . وعند الفقهاء : وصف قائم بالبدن يمنع من

الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة . مثال الحدث الأصغر : لو

أن أحدهم أحدث حدثاً أصغر كخروج ( الريح أو البول ) فإنه في

هذه الحالة يمنع من الصلاة , فإذا توضأ ارتفع الحدث و أبيحت له

الصلاة . مثال الحدث الأكبر : لو أن أحدهم أحدث حدثاً أكبر (

جنابة – دم حيض ) فإنه في هذه الحالة يمنع من الصلاة حتى إذا

اغتسل أو اغتسلت ارتفع الحدث . (2) طهارة من الخبث ( والمراد بها : النجاسة ) .


• الطهارة لا تكون إلا بطهورين : (1) الطهارة بالأصل وهو الماء

(2) الطهارة بالبدل وهو الصعيد الطاهر – إذا عدم الماء أو تعذر

استعماله . وعلى هذا فإن العلماء يبداؤن ببيان الأصل ثم ببيان البدل بعده .


• الماء ينقسم إلى قسمين : (1) طهور : وهو الماء الباقي على خلقته . (2) نجس : وهو ما تغير طعمه أو لونه أو ريحه . لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) رواه أبو داود وصححه الألباني . وهو قول : الحسن البصري و سفيان ورواية عند الإمام أحمد و اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم و الشوكاني و السعدي و ابن عثيمين .


• الأصل في المياه الطهارة : لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) رواه أبو داود وصححه الألباني . إلا إذا تغيرت إحدى أو صافه الثلاثة ( طعمه , ريحه , لونه ) .


• هل يشترط الماء في إزالة النجاسة ؟
لا يشترط الماء في إزالة النجاسة , وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورواية عند الإمام أحمد و الشيخ السعدي و ابن عثيمين .



فائدة : ذهب بعض العلماء إلى أن النجاسة لا تزول إلا بالماء , واستدلوا بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم , بأن يراق عليه بذنوب من ماء .


الجواب عن هذا : أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم , بالماء من باب أنه أسرع في الإزالة و أيسر على المكلف , وكذلك أن المسجد يجب تطهيره على الفور لأنه مصلى الناس ولئلا ينجس به أحد أو تنقل النجاسة بالمشي إلى مكان آخر في المسجد .


مسألة : إذا شك الإنسان في نجاسة الماء ؟ مثال : لو عندك ماء ولا

تعلم نجاسته ثم شككت فيه هل هذا الماء طاهر أم نجس . فالأصل

أن الماء طاهر – ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم , لما سئل

الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة , فقال :( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) رواه مسلم . وهو اختيار ( ابن عثيمين ) قال شيخ الإسلام : الاحتياط بمجرد الشك في أمور المياه ليس مستحباً و لا مشروعاً بل ولا يستحب السؤال عن ذلك ( الفتاوى : 21/56 ) .


فائدة : إذا أخبرك عدل بنجاسة شي سواء كان ماءا أو غيره كثوب

أو بقعة أو تراب , وجب قبول خبره .


قاعدة : ( اليقين لا يزول بالشك ) .

مسألة : ماء البحر طهور يرفع الحدث الأصغر و الأكبر ويزيل

النجاسة لأنه ماء طاهر باق على خلقته . لقوله صلى الله عليه وسلم

, في ماء البحر:( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) . قال الترمذي : سألت محمداً – يعني البخاري , عن هذا الحديث فقال ( هو حديث صحيح )


مسألة : إذا اشتبهت ثياب طاهرة بثياب نجسة : الراجح : أنه يتحرى

ويصلي في ثوب واحد , لقوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) الآية


وهو اختيار : شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم و السعدي و ابن عثيمين .


مسألة : حكم الاغتسال و الوضوء من ماء زمزم و الماء المقري عليه ؟

لا حرج من الاغتسال والوضوء من ماء زمزم وكل ماء مبارك

وكذلك غسل الثياب به لعموم الأدلة والماء المقري عليه , ولا بأس

أن يغتسل به في الحمام و غير الحمام . الفوائد الجلية من دروس ابن
باز العلمية ص 42 .


مسألة : حكم الماء النجس إذا أضيفت إليه مواد منقية ؟ تكون طاهرة بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى وبحيث لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم و لا لون ولا ريح , و يجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث وتحصل الطهارة بها . فتاوى اللجنة الدائمة . ج/5 ص 80 .


مسألة : حكم غمس اليد في الإناء بعد النوم عمداً ؟ الصحيح : أنه طهور – لكن يأثم من أجل مخالفته النهي حيث غمسها قبل غسلها ثلاثاً . الممتع ج/1ص 51 .


مسألة : حكم الماء المستعمل ؟

الصواب : أنه لا يكره لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل وكيف نقول لعباد الله انه يكره لكم أن تستعملوا هذا الماء وليس عندنا دليل شرعي . قوله ( الماء المستعمل ) : هو الذي يتساقط بعد الغسل . مثاله : غسلت وجهك فهذا الذي يسقط من وجهك هو الماء المستعمل . الممتع ج/1ص 36 .


مسألة : حكم الماء المغصوب الصواب : يصح الوضوء به مع الإثم .



مسألة : حكم الاغتسال بفضل المرأة : الراجح : الجواز لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما , أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يغتسل بفضل ميمونة . رواه مسلم , وأما حديث النهي ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم . أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة .. ) فإنه يحمل على التنزيه لا التحريم . و أما جواز اغتسال المرأة بفضل الرجل – فلم يرد فيه دليل لكنه مقيس على الجواز في حق الرجل من باب أولى .

قال ابن عبد البر : لا بأس أن يتطهر كل واحد منهما بفضل طهور

صاحبه شرعاً جميعاً , أو خلا كل واحد منهما به . قال : وعلى هذا

القول فقهاء الأمصار وجمهور العلماء , قال : والآثار في معناه

متواترة . وهذا اختيار : شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن عثيمين . الممتع ج1/46 .


مسألة : الماء المتغير بشيء طاهر خالطه , مثل ( العجين أو الشاي ) فهذا إن زال عنه اسم الماء كما لو خالطه الشاي فانه لا يرفع الحدث . وان لم يزل عنه اسم الماء فهذا طهور يرفع الحدث .


مسألة : الماء المتغير بطول المكث : لا كراهة في استعماله وهو

طهور يرفع الحدث ويزيل النجس و قد حكى ابن المنذر الإجماع .

وهو اختيار: ابن عثيمين . الممتع ج/1ص34 .


مسألة : حكم الماء الذي وقع فيه الذباب : حكمه طاهر , لأن الرسول

صلى الله عليه وسلم , أمر بغمسه ولم يأمر بإراقة ما وقع فيه .


مسألة : البول والاغتسال في الماء الدائم: هذه المسألة معناها حكم

الماء الذي خالطته النجاسة , والصحيح أن الماء لا ينجس إلا إذا

تغيرت إحدى أوصافه الثلاثة : ( لونه أو طعمه أو ريحه ) . والحمد لله رب العالمين ,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

كتبه : عبدالعزيز بن حمود الصائغ

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}


هـٰذه الآية الكريمة فيها بيان ثمرةٍ عظيمة
من ثمار الإيمان وأثرٌ مبارك من آثاره العظام
ألا وهو : أن الله عز وجل يجعل للمؤمن الذي يعمل الصالحات وُدًّا في قلوب عباده ،
وتأمل قول الله عز وجل في هـٰذه الآية الكريمة :
﴿
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ﴾ فهـٰذا منُّ الله عز وجل وفضله وتوفيقه سبحانه ،

وهو -كما تقدَّم- أثرٌ من آثار الإيمان والأعمال الصَّالحات.

وفوائد الإيمان لا حصر لها ،
وقد كتب فيها أهل العلم كتابات نافعة، ومن أميَز ذلك ما كتبه العالم المحقِّق الشَّيخ عبد الرحمـٰن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه
« التَّوضيح والبيان لشجرة الإيمان» ؛
حيث عقد فيه فصلًا في بيان فوائد الإيمان وثماره وآثاره .

وهـٰذه الفائدة التي دلَّت عليها هـٰذه الآية الكريمة
﴿
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ يبيِّنها الحديث الذي في صحيح مسلم - حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،
وقد أورده عامَّة المفسرين عند هـٰذه الآية الكريمة
- أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ،
قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ،
فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ،
قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ
)) « يُوضَعُ »
تأمّل هنا وفي الآية قال: ﴿
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ ﴾ الأمر بيده جلَّ وعلا. قال: (( وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ ، فَيَقُولُ :
إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ
)) نسأل الله لنا جميعًا العافية قَالَ: ((فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ
إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ،
قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ
)) .

وهـٰذا الحديث لما خرّجه مسلم في صحيحه وذكر له بعض الطرق ذكر في بعض طرقه -طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة – قصة ، وهي أن سهيل بن أبي صالح يقول : « كُنَّا بِعَرَفَةَ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
العزيز

وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ


- أي: نظرة حبّ وتقدير ومودّة -
فَقُلْتُ لِأَبِي : يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ،

قَالَ وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ لِمَا لَهُ مِنْ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ،
فَقَالَ : بِأَبِيكَ أَنْتَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((إنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا...)) وذكر الحديث».

وجاء عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنه كتب إلى مسْلَمة بن مُخَلَّد

رضي الله عنه وكان وَلِي مصر فقال له:

« سَلامٌ عَلَيْك أمَّا بَعْد : فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا عَمِل بِطَاعَةِ الله

أَحَبَّهُ اللهُ، فَإِذَا أَحَبَّهُ اللهُ حَبَّبَهُ إِلَى عِبَادِه ،
وَإِنَّ العَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ أَبْغَضَهُ اللهُ،


فَإِذَا أَبْغَضَهُ، بَغَّضَهُ إِلَى عِبَادِهِ
» ؛ وهـٰذه البُغضة التي تكون
من نصيب من يعصي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تُوضع في قلوب العباد ،

ولهـٰذا يجد الإنسان العاصي وحشة بينه وبين الصَّالحين من عباد الله خاصة،

ويجد نفسه نافرةً منهم ، وأنَّه ليس منهم وليسو منه ،
ولا يحرص على مجالستهم ؛ وهـٰذا كله من شؤم المعصية

وآثارها السَّيئة وعواقبها الوَخيمة على الإنسان في هـٰذه الحياة الدُّنيا .
ثم إنّ المؤمن عندما يقوم بالأعمال الصَّالحات يجب عليه

أن يقوم بها مبتغيًا بها وجه الله راجيًا بها ثواب الله،
لا يقوم بها تزلُّفًا للمخلوقين وتصنُّعًا للعباد ومراءاة للنَّاس ،
فإنَّ المراءاة والتصنُّع والتزلّف للنَّاس لا تزيد الإنسان عند الله إلا بُعدًا ،
وفي قلوب النَّاس لا يزداد إلا مقتًا ،
والعبادة لا يُتقرَّب بها إلَّا إلى الله، ولا يُطلب بها إلَّا ثواب الله،
ولا يُرجى من ورائها إلا نيل رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة:5] .
أمَّا من يقوم بالعبادات من أجل النَّاس تصنُّعا وتزلُّفًا
ومراءاة فهـٰذا لا يحصِّل ما أمَّل ويَحرم نفسَه
ثواب تلك الأعمال وأجورها ، في الحديث القدسي

يقول الله تعالى : « أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ
مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ
».
وممَّا يُروى في هـٰذا المقام : ما رواه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: « إنَّ رجلاً قال: لأعبدنَّ الله عبادة أُذكر بها -أنظر إلى النِّية-

ثم أخذ يجتهد في العبادة ، فكان لا يُرى إلا قائمًا يُصلِّي ،
قال: وكان أوَّل داخل للمسجد وآخر خارجٍ منه
- لـٰكن النِّية ما هي؟ (عبادة أُذكر بها) - قال: فلم يعظَّم ،

وكان كلَّما مرَّ بقوم قالوا : انظروا هـٰذا المرائي -

لأنَّ الإنسان مهما حاول أن يخبِّئ خفاياه يفضحه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ،
ولا يجعل له قَبولًا أو محبَّة في قلوب العباد ،
ولهـٰذا ننتبَّه مرَّة ثانية لقوله:
﴿ سَيَجْعَلُ ﴾
وأيضا لقوله: «يُوضَعُ له» هـٰذا أمرٌ بيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى –
قال : فكان لا يمرُّ بقوم إلَّا قالوا: انظروا إلى هـٰذا المرائي،
فقال: ما أراني أُذكر عند النَّاس إلا بشرٍّ -

واربط هـٰذا بقوله في بداية الكلام: (عبادة أُذكر بها) ،
فأصبح لا يُذكَر عند النَّاس إلا بشرٍّ ،

عُومِل بنقيض قصْده ، حتى الشَّيء الذي كان يطمع فيه في دنياه ما حصَّله - قال: فلمَّا رأى هـٰذه الحال قال: لأجعلنَّ عملي كلَّه لله ،

وقَلَب نيَّته ، قال: فما أن قلب نيَّته ولم يزد على

العمل الذي كان يعمل حتى كان لا يمرُّ على
قوم إلَّا قالوا : رحم الله فلانًا - يعني أصبح في ألسنة الناس الدُّعاء له -

ثم تلا الحسن قول الله سبحانه:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ ».

والعبد ينبغي أن يسعى في هـٰذه الحياة في نيل محبَّة الله

ونيل محبة عباد الله ، وقد جاء في ابن ماجه وغيره عن

سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رجلا قال :

يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ
أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ ))

الشاهد أن الإنسان يجتهد في هـٰذه الحياة

في نيل محبَّة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ولن ينال هـٰذه المحبَّة بمجرد

الأماني ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾[النساء:123]

بل لهـٰذا علامة وبيِّنة بيَّنها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قوله:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:31] ،
ومن الدُّعاء المأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم ممّا يتعلق بهـٰذا المقام :
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ».
ولِيَكُن هـٰذا الدُّعاء ختام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بتصرف قليل / من تفريغ محاضرة للشيخ :

- عبد الرازق بن عبد المحسن البدر

مــن أعمــال القلــوب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله. أما بعد :
فهذه رؤوس أقلام في بعض أعمال القلوب تم تهذيبها من كتاب ( مدارج السالكين ) لابن القيم رحمه الله تعالى .
وجعلتها مختصرة وسهلة المحتوى لتسهل على القارئ ولتكون مناسبة لعموم الناس ممن يحب هذا الاتجاه .
أسأل ربي أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم .


أهمية الموضوع :

1- قال ابن القيم رحمه الله: في قوله تعالى: "وثيابك فطهر" : جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا هو القلب .
2- القلب هو محط نظر الرحمن كما في الحديث : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )) رواه مسلم .
3- القلب هو ملك الأعضاء وبصلاحه صلاحها كما في الحديث : ( ألا وإن في الجسد مضغة ) متفق عليه.
4- أعمال القلوب كأعمال الجوارح يتعلق بها الثواب والعقاب أيضاً، فكما أن المرء محاسب على قول لسانه وفعل جوارحه فهو محاسب على عمل قلبه .
5- أعمال القلوب لا حد لها، بل تضاعف أضعافاً؛ وذلك لأن أعمال الجوارح مهما كثرت وعظمت لها وقت معلوم، أما العبادات القلبية فإنها إذا استقرت في قلب العبد، فإنها تكون ملازمة له على كل حال .
6- الغفلة عن طرح الموضوع في ( خطب الجمعة – المقالات – القنوات – المواقع ) يستدعي العناية به.
7- أعمال القلوب أهم من أعمال البدن , مثال :
- الخشوع في الصلاة أهم من وجود البدن .
- الإخلاص أهم من صورة العمل .
- المنافقون شهدوا باللسان ولكن القلب مكذب .
8- الغفلة عن محرمات القلوب .




من أعمال القلوب

( 1 ) المحبة :
- هي المنزلة التي تنافس فيا المتنافسون , وإليها شخص العاملون , وهي قوت القلوب وغذاء الأرواح.
- المحبة هي : عنوان الطريق , والعنوان يدل على الكتاب .
- هي : روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال .
- هي الطريق لتحمل أعباء الأعمال والهمم .
- الذين يدعونها كثير , ولكن الطريق لها (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) [آل عمران : 31] .
-

تعاريف :

1. ميل القلب نحو المحبوب .
2. إيثار المحبوب على جميع المصحوب .
3. أن تكون كل حياتك لله تعالى .

معالم :
- التأمل في الآيات يؤكد على وجود أعمال وصفات يحبها الله ومنها ( الصابرين – المحسنين – المتقين – المقسطين ... ) .
- التأمل في القرآن والحذر مما لا يحبه الله ( الفساد – كل مختال فخور – الظالمين - .. ) .
- لابد من الابتلاء لتمحيص المحبة الربانية التي في قلبك , تأمل قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السلام .
- قصة ابتلاء يوسف عليه السلام مع المرأة .
- لو وردت معاملة فيها رغبة دنيوية ولكنها محرمة فهل تقدمه محبة الله أم رغبتك ؟
-
المحبة تثمر :
1. السرور واللذة بالعبادة .
2. الاستمتاع بالتعب في سبيل الله تعالى.
3. الإكثار من ذكر الله .
4. الأنس بالخلوة , وتأمل حال ابن تيمية في السجن .
- المحبة عند الصوفية تقتضي مجرد الذكر والوجدان والرقص .
- كل محبة فهي مصحوبة بالخوف والرجاء , فهو يخاف من ذنوبه ويرجو رحمة ربه ومغفرته .
- لا يصح لفظ ( العشق ) بين العبد وربه .
- الشوق لله تعالى هو من آثار كمال المحبة , وفي الحديث ( أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللهم و أسألك لذة العيش بعد الموت و لذة النظر إلى وجهك و شوقا إلى لقاك
الراوي: عمار بن ياسر المحدث: الألباني - المصدر: تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 424
خلاصة حكم المحدث: صحيح

 
(2 ) الخوف :
جاء في القرآن : الخوف – الخشية – الإشفاق – الوجل .
- الملائكة وصفهم الله (( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )) [الأنبياء : 28]
- أهل الإيمان (( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ )) [الأنبياء : 49] .
- (( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ )) [المؤمنون : 57]
- الخوف من القيامة : (( يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ )) [الشورى : 18].
- الخوف من العذاب : (( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ )) [المعارج : 27] .
- العلماء عندهم خشية (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )) [فاطر : 28].
- الخوف ليس مقصوداً لذاته بل مقصوداً لغيره .
- قاعدة الخوف الشرعي : ما حجزك عن الحرام .
تفعيل الخوف :
1. التصديق بالوعيد .
2. ذكر الجناية .
3. الانقلاب عن المنهج , بسبب فتنة قادمة , أو سيئات تفرق القلب.
4. الخوف من القدر السابق وسوء الخاتمة .
5. الخوف من عدم القبول .
- مخالفات في الخوف :
1. القنوط من رحمة الله تعالى .
2. اليأس من الله .
3. الخوف من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله .
4. لا بأس من الخوف الطبيعي ( فخرج منها خائفا يترقب ) .
- القلب يسير كالطير , له رأس وجناحان : الرأس المحبة والجناحان الخوف والرجاء .





( 3 ) الرجاء :
هو الجناح الآخر في رحلة القلب والجناح الأول الخوف .
- الرجاء هو حسن الظن بالله تعالى .
- في الحديث القدسي : ( إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ) صحيح الترغيب ( 3382 ).
- ينطلق هذا العمل من الأسماء الإلهية التي فيها اللطف والرحمة " المحسن – البر – الرءوف – اللطيف – المنان – الرحمن " .
- لولا روح الرجاء لتعطلت كثير من الأعمال .
- على حسب قوة المعرفة بالله يكون الرجاء فيما عنده .
- الرجاء عند أهل الإيمان يقترن معه العمل, وعند الغافلين رجاء بلا عمل .
- عبادة الدعاء إنما هي نتيجة للرجاء وحسن الظن بالله تعالى .
- أهل الإيمان يزيد رجاءهم حتى يكون الشوق الكبير لربهم (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً )) [الكهف : 110] والاشتياق : سفر القلب في طلب محبوبه .
- الفرق بين الرجاء والرغبة
, أن الرجاء طمع , والرغبة طلب وعمل, فهي ثمرة الرجاء .

- في الرجاء عبادة التعلق بالله تعالى؛ لأن صاحبه ينتظر لطائف الرب فهو يتعلق به ويدعوه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ

قال الله تعالى : يا ابن آدم ! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم ! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم ! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة
الراوي: أنس بن مالك المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 6065
خلاصة حكم المحدث: صحيح



( 4 )

التوبة :
تتعلق بها مسائل :
- التوبة هي :
مخالفة داعي الهوى والنفس والاستجابة لداعي الحق والهدى .
- التوبة فرض على الفور .
- تأخير التوبة ذنب تجب له التوبة .
- تعظيم الجناية يصدر عن ثلاثة أشياء:

1- تعظيم الآمر .
2- تعظيم الأمر .
3- التصديق بالجزاء.
- اتهام التوبة .
- شمولية التوبة لكل الذنوب .
- التوبة الصادقة لها دلائل :

1- الندم .
2- العزم على عدم العودة .
3- ترك المباشرة للذنب .
4- ملازمة الخوف له .
5- من موجبات التوبة الصحيحة أيضاً: كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء .
6- هل يشترط التحلل من صاحب الحق ؟.
7- إرجاع الحقوق المالية إذا لم يعثر على أصحابها , يكون بالصدقة عنهم .
8- تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره .
9- هاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن " الكبيرة " قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في أعلى رتبها, وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب وهو قدر زائد على مجرد الفعل والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره.
- عبادة التوبة توجب الفقر والانكسار الدائم .
- الذنب قد يكون أنفع للعبد من بعض الطاعات .
- الرسول صلى الله عليه وسلم وكثرة التوبة والاستغفار .


( 5 ) الافتقار :
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )) [فاطر : 15]
- الفقر الحقيقي: أن تشهد في كل ذرة من ذراتك الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى .
- الفقر وصف ذاتي لا ينفك عنه العبد , كما أن الغنى وصف ذاتي للرب تبارك وتعالى .
- بداية الافتقار : الذل لله , ونهايته : العز بالله .
- الفقير هنا :
1. لا يخاصم لنفسه .
2. يشعر بالحاجة دائماً إلى ربه .
3. يكثر الدعاء في كل لحظاته .
4. نسيان الحسنات والخيرات .
5. التواضع للرب وللخلق .
6. كراهية مدح النفس , وكان ابن تيمية إذا مُدح يقول : أنا إلى الآن أجدد إسلامي .


( 6 ) اليقظة :
قال تعالى (( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأنعام : 122] .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فإن المراد بها من كان ميت القلب بعدم روح العلم والهدى والإيمان فأحياه الرب تعالى بروح أخرى غير الروح التي أحيا بها بدنه وهي روح معرفته وتوحيده ومحبته وعبادته وحده لا شريك له، إذ لا حياة للروح إلا بذلك وإلا فهي في جملة الأموات ولهذا وصف الله تعالى من عدم ذلك بالموت فقال: (( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ )) [ الأنعام: 122 ] .
- حياة القلب تبعث على الهمة وصدق الإرادة والطلب وعلى حسب قوة الحياة تكون الهمة والإرادة .
- حياة القلب لها مقومات كما أن حياة البدن لها مقومات .
- كلما كانت المقومات متوافرة قويت حياة القلب وكلما ضعفت ومال صاحبه للشهوات نقصت حياته .
- بداية ميلاد المرء من حين يحيى بالإيمان والهداية , والحياة قبل ذلك لا قيمة لها؛ لأنه كان ميت .
- الفكرة في اليقظة : فكرة تتعلق بالعلم , فكرة تتعلق بالطلب والإرادة .
- بعد ذلك : القصد والسير نحو المنازل .

 ( 7 ) المراقبة :
تواترت النصوص بتأصيل هذا العمل .
(( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) [النساء : 1]
(( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى )) [العلق : 14]
(( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ )) [البقرة : 235]
المراقبة : هي علم القلب بقرب الرب .
وهي التعبد لله باسم : الرقيب والشهيد والحفيظ والعليم والبصير والسميع.
قيل : من تحقق في المراقبة خاف على فوات لحظه من ربه لاغير .
- كلما امتلأ القلب بتعظيم الله تعالى كلما قويت المراقبة .
- صاحب الإيمان يتلذذ بعلمه برقابة الله عليه , فيقوى على العمل ويجاهد نفسه عليه .
- المراقبة تثمر :

1. تعظيم الأوامر .
2. تعظيم النواهي .
3. تطهير القلوب .
4. عمارة الوقت .




( 8 ) التعظيم :
يقول تعالى (( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) [الزمر : 67].
وقال تعالى : (( مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا )) [نوح : 13] .
أسباب تدعونا إلى تعظيم الله :
1. التأمل في أسمائه تعالى " العظيم – الجبار – القهار – الخالق " .
2. النظر في مخلوقات الله الكثيرة والعظيمة " العرش – السماوات – الجنة والنار – الملائكة " .
3. انتقام الله ممن خالف أمره (( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )) [العنكبوت : 40].
يترتب عليها :
1. تعظيم التوحيد والعمل به ودعوة الناس إليه, والحذر من الشرك ووسائله والنهي عنه, وتعظيم الأسماء والصفات والإيمان بها على المنهج المستقيم .
2. تعظيم القرآن بالعمل به .
3. تعظيم النص وعدم الاعتراض عليه والتشكيك فيه والطعن في صلاحيته لكل زمان .
4. تعظيم الأشخاص : " الأنبياء , الصحابة , العلماء , الوالدين ".
5. تعظيم الأماكن : المساجد .
6. تعظيم الأوامر .
 (9 ) الإخلاص والصدق:
تكاثرت النصوص في الحث عليه :
(( وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ )) [الأعراف : 29]
(( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين )) [غافر : 65]
(( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) [الأنعام : 162]
حديث : ( أول ثلاثة تسعر بهم النار.. ) رواه مسلم , يؤكد على ضرورة العناية بالإخلاص .
قيل في تعريفه :
- إفراد الله تعالى بالقصد في الطاعة .
- تصفية الفعل من ملاحظة المخلوقين .
فضائل الإخلاص :
- طريق لقبول الأعمال .
- مرتبة الصديقية فوق الشهيد (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا )) [النساء : 69].
- ينفعك يوم القيامة (( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) [المائدة : 119] .
- (( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ )) [الأحزاب : 24].
- يحفظك من نزغات الشيطان : (( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) [يوسف : 24].
- وسيلة للقبول في الأرض.
إشارات :
- يعرض للعامل في عمله آفات , ومنها :
- آفة رؤية العمل وملاحظته , وعلاجها :
1. أن يوقن بأن الذي وفقه له هو الله تعالى (( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) [النور : 21]
2. بأن يطالع عيوب العمل وآفاته .
- آفة طلب العوض من الله , وهذه علاجها : أن يعلم أنه عبد , والعبد لا يطلب من سيده عوض .
- احذر من حظ النفس في العمل .
- المخلص يخجل من عمله أن يصل إلى ربه لعلمه بما يستحق سبحانه من التعبد .
- المخلص ينسى عمله ولا يتذكره .
- المخلص يجعل العبادة سليمة من مبدأ " تحول العبادة إلى عادة " بل الهدف تحقيق رضوان الله والتقرب إليه بما يحب .
- المخلص يكتم سره مع الله تعالى خوفاً من السراق والحساد .
- إخفاء العمل من سمات المخلصين .
- المخلص لا يسوق نفسه للعمل بالإكراه, بل يجد في العمل لذته وسروره ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) السلسلة الصحيحة ( 3291 ) .
- المبالغة في الحذر من الرياء غير محمودة بل قد تدعو لترك العبادة , كمن يترك صلاة الجماعة بسبب الخوف من الرياء .
- البعد عن الشهرة تجعل المناصب المهمة بأيدي من لا يستحق , ويوسف عليه السلام طلب الولاية لخدمة الدين (( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )) [يوسف : 55] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ


[إن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: منهم: الذي طلب العلم وقرأ القرآن لغير الله ليقال: هو عالم، وليقال له: قارئ] الراوي: - المحدث: ابن باز - المصدر: مجموع فتاوى ابن باز - الصفحة أو الرقم: 307/2
خلاصة حكم المحدث: صحيح 
 ( 10 ) الخشوع :
- هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع .
- أجمع العلماء على أنه إذا استقر الخشوع في القلب ظهرت دلائله على الجوارح .
- كان حذيفة يقول : " إياكم وخشوع النفاق " أن يرى البدن خاشع والقلب ليس بخاشع.
* من علامات الخشوع :
1. تلقي الأمر بالقبول .
2. مواطأة الظاهر للباطن .
3. قبول الحق ممن جاء به .
* يكمل الخشوع بأمور :
1. تدبر القرآن (( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا )) [الإسراء : 109].
2. التربية على التذلل بين يدي الله تعالى " طول السجود " .
3. اكتشاف آفات النفوس ومعالجتها .
4. إخفاء حال النفس مع الله .
5. عدم رؤية النفس واليقين بأن ما فيها من خير فهو من الله تعالى .
- يوم القيامة يخشع من لم يخشع .
- (( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا )) [طه : 108] .
- (( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ )) [الشورى : 45]

 
 (11 ) الصبر :
- ورد في القرآن في نحو تسعين موضع .
- من صيغ وروده في القرآن :
– الأمر به (( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )) [لقمان : 17].
– أنه منهج الرسل (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ )) [الأحقاف : 35].
- معية الله لهم (( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )) [البقرة : 153].
– المنازل العالية لأهل الصبر (( لَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ )) [القصص : 80]
– به تنال الإمامة في الدين (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )) [السجدة : 24].
(( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ )) [المؤمنون : 111]
- (( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [النحل : 96]
- (( وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا )) [الإنسان : 12]
- الصبر : حبس النفس عن الجزع واللسان عن الشكوى والجوارح عن التشويش .
- أقسام الصبر : على الطاعة – عن المعصية – على الأقدار .
- الصبر الاختياري أكمل من الصبر الاضطراري , فالاختياري مثل صبر يوسف عن المرأة والاضطراري كصبره على رميه في البئر.
- الاستعانة بالله في الصبر.
- النظر في صبر الأعداء.
- الاستشارة لاتنافي الصبر .
- من الخلل : حصر الصبر في أمور الحياة والغفلة عن الصبر في جوانب العبادة .
- عند الامتحان يتبين من هم الصابرون (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )) [آل عمران : 142] .
- من المهم : النظر الدائم في صبر الأنبياء والعلماء على الابتلاءات التي جرت لهم .
- الجزع ضد الصبر , وله صور : شق الجيوب – الألفاظ المخالفة.

( 12 ) السرور :
قال الله تعالى: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )) [ يونس: 58].
يأمر الله تعالى عباده بالفرح بفضله ورحمته وذلك تبع للفرح والسرور بصاحب الفضل والرحمة فإن من فرح بما يصل إليه من جواد كريم محسن بر يكون فرحه بمن أوصل ذلك إليه أولى .
- السرور بالقرآن , قال تعالى : (( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ )) [ الرعد: 36] فالفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له وإيثاره له على غيره فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبته له .
- كلما زاد الإقبال على الله تعالى زاد السرور (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [النحل : 97].
- من وصل لهذا الاستشعار وجد أن الطاعات وسيلة للتلذذ وليست مجرد تكاليف .
- هناك سرور قبل الموت حينا يبشر بمقعده من الجنة .
- هناك سرور في القبر حينما يأتيه الرجل حسن الوجه وطيب الرائحة .
- السرور الأكبر هناك (( وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا )) [الانشقاق : 9] (( فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا )) [الإنسان : 11].
 ( 13 ) الاستقامة :
- يقول تعالى: (( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) [هود : 112].
ويقول: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )) [الأحقاف : 13].
- الاستقامة ضد الطغيان وهو مجاوزة الحدود في كل شيء وعكسه التفريط والفتور.
- قال ابن تيمية : استقاموا على محبته وعبوديته فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة .
- عن سفيان بن عبد الله قال: ( قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك؟ فقال : قل آمنت بالله ثم استقم ) صحيح ابن ماجه ( 3223 ).
- المطلوب من العبد الاستقامة وهي السداد فإن لم يقدر فالمقاربة .
- الاستقامة تتعلق بـ : الأقوال – الأعمال – الأحوال – النيات .
- قال ابن تيمية : أعظم الكرامة لزوم الاستقامة .
- في الدنيا فتن تحاول تغيير مسار الاستقامة .
- التبديل وتغيير المبادئ والتصورات تخالف منهج أهل الاستقامة .
يعين على تحقيق استقامة القلب :
1. العلم الشرعي؛ فهو الميزان بين الأمور وفي أوقات الفتن والمتغيرات .
2. لزوم العلماء الربانيين .
3. تدبر القرآن .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
قلت: يا رسول الله! قل في الإسلام قولًا لا أسأل أحدًا غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم، قال: قلت: يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف عليَّ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا الراوي: سفيان بن عبد الله الثقفي المحدث: الرباعي - المصدر: فتح الغفار - الصفحة أو الرقم: 2099/4
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
 




( 14 ) التوكل :
يدخل معه في نفس المعنى : الاستعانة – الثقة – الطمأنينة – التفويض .
- (( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) [آل عمران : 160]
- (( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ )) [النمل : 79]
- (( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) [آل عمران : 159]
- قال تعالى: (( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ )) [يونس : 84].
- ومن السبعين ألف ( وعلى ربهم يتوكلون )(*) . رواه مسلم .
- التوكل : اعتماد القلب على الله تعالى .
- كل من كان بالله وصفاته أعلم كان توكله أصح .
- تأمل في حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام :
1. نوح في بناء سفينة في البر ثم تأتي الأمواج .
2. إبراهيم لما ألقي في النار .
3. موسى أمام البحر .
4. رسولنا في الغار .
5. الصحابة في الفتوحات .
- التوكل يجمع بين :
1. علم القلب .
2. عمل القلب .
3. القيام بالأسباب .
- من تمام التوكل عدم الركون للأسباب .
- لا يستقيم التوكل إلا إذا صح التوحيد .
* من صور التوكل :
1. التوكل في القيام بالعبادة .
2. التوكل في دعوة الخلق .
3. التوكل في الجهاد في سبيل الله تعالى .
4. في أمور الحياة من معاملات .
5. في أمور الرزق .
6. في طلب الشفاء من الله تعالى .

* يقوي جانب التوكل :
1. الثقة بالله تعالى وحسن الظن به .
2. التأمل في حال الصالحين, وتأمل في أم موسى لما ألقته في اليم (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )) [القصص : 7] فهذه قمة التوكل والثقة بالله تعالى.
- بعد التوكل ( الرضا ) .
- دعاء الاستخارة ( يؤكد على تربية النفس على التوكل ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
(*)

الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الوادعي - المصدر: صحيح دلائل النبوة - الصفحة أو الرقم: 202
خلاصة حكم المحدث: حسن

 
( 15 ) الزهـد :
- تواترت النصوص بالتزهيد في الدنيا (( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ )) [النحل : 96] .
- الزهد هو : الترك .
- قال ابن تيمية : الزهد هو : ترك ما لا ينفع في الآخرة .
- وقال أحمد بن حنبل : قصر الأمل .
- إذا أراد الله بعبده خيراً أقام في قلبه شاهداً يعاين به حقيقة الآخرة ويؤثر منهما ما هو أولى بالإيثار.
- أركان الزهد : الزهد في " المال – الصور – الرياسة – الناس – النفس – كل مادون الله تعالى ".
- ليس من الزهد ترك الدنيا والوظيفة والمال الحلال, قال تعالى: (( وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا )) [القصص : 77] وبعض الأنبياء كانت عندهم الدنيا مثل سليمان وداود عليهما السلام ونبينا صلى الله عليه وسلم مارس التجارة, وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كابن عوف والزبير وعثمان كانوا يعتنون بالتجارة.
- منهج الصوفية مخالف في الزهد .
- الزهد " ترك " المحرمات وهذا فرض .
- الزهد في " ترك الشبهات " مستحب ومؤكد .
- الزهد في الفضول, فإذا ترك الفضول حمى وقته منه وعمره بالطاعات وبالواجبات في الوقت .
- الزهد في الزهد, واحتقار ما زهدت فيه .
- القراءة في كتب السلف تربي مبدأ الزهد .
- مجالسة العلماء الزاهدين يزيدك زهدا .


 
 ( 16 ) الرعاية :
وهي : مراعاة العلم وحفظه بالعمل .
- مراتب العلم :
1. رواية : مجرد نقل المرويات .
2. دراية : فهمه والتعقل لمعناه .
3. رعاية : العمل بموجب ما علمه ومقتضاه .
- مراعاة العمل :
1. بالإحسان فيه ظاهراً وباطناً .
2. بحفظه من المفسدات .
3. استصغار الأعمال في نفسك , وأن ما يليق بالله تعالى أعظم مما عملت, ولهذا نحن نستغفر عقب الأعمال : الوضوء, الصلاة, الأسحار .
- رعاية القلب :
1. أن لا يتعلق بغير الله تعالى .
2. أن يكون حاله منكسراً خاضعاً بين يدي ربه.

______________________________
ا . هـ